تشتري البنوك المركزية الذهب بمعدلات قياسية. وأنت؟
على مدى عقود، كانت البنوك المركزية تشتري الذهب لتنويع احتياطياتها والحماية من عدم اليقين الاقتصادي. على عكس العملات الوطنية، التي يمكن أن تتقلب قيمتها وتنخفض من خلال السياسات النقدية مثل زيادة المعروض النقدي، فإن الذهب هو مورد محدود يعمل كتحوط طبيعي ضد التضخم.
يتميز الذهب بالاستقرار، حيث أنّه لا يحمل أي مخاطر ائتمانية أو مخاطر الطرف المقابل، مما يوفر الثقة بجميع البيئات الاقتصادية. وتعزز علاقته العكسية مع الدولار الأميركي جاذبيته، حيث ترتفع أسعار الذهب عادةً عندما يضعف الدولار، مما يساعد البنوك المركزية على حماية احتياطياتها خلال دورات تخفيف السياسة النقدية التي يطبقها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. إضافةً إلى ذلك، يتفاعل الذهب باعتباره “ملاذاً آمناً” عندما تتجلى المخاطر الجيوسياسية، ويتفاعل باتجاهات صعودية قوية ومستدامة مع اندفاع المستثمرين لشرائه، لحماية أنفسهم من الحروب، وعدم اليقين السياسي، والأزمات المالية، والعديد من الاحتمالات الكارثية الأخرى.
وأصبحت الاقتصادات الناشئة، مثل روسيا والصين والهند، المشترين الأكثر نشاطا في السنوات الأخيرة، سعيا إلى تعزيز استقرارها المالي واستقلالها عن الدولار الأميركي.
الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات من الذهب
يسلط هذا الرسم البياني الضوء على الدول العشر التي تمتلك أكبر احتياطيات من الذهب (بالطن) في مايو 2024، بناءً على بيانات مجلس الذهب العالمي.
أما بما يخص نسبة الذهب إلى إجمالي الاحتياطيات الوطنية، فإن الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات تظهر اعتماداً مختلفاً على هذا الأصل الدفاعي. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مؤتمر الذهب العالمي WGC، فإن احتياطيات الذهب المقدرة بقيمتها السوقية الحالية احتلت في الربع الثاني من عام 2024 الحصة المهيمنة في جميع الدول الغربية الخمس الرائدة. وفي الولايات المتحدة، يستحوذ الذهب على الحصة الأكبر بنسبة 72.41%، بينما تبلغ حصته في الصين 4.91% فقط.
حصة احتياطيات الذهب العالمية من أصول الاحتياطي الأجنبي الرسمية للربع الثاني من عام 2024
شراء الذهب في النصف الأول من عام 2024
في عام 2024، ارتفعت أسعار الذهب بنحو 35% حتى الآن، ليس فقط بسبب المخاوف من الركود في الولايات المتحدة، ولكن أيضاً بسبب الطلب القوي من المستهلكين في الصين، والاهتمام المتزايد بالاستثمارات الآمنة وسط التوترات الجيوسياسية (الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط، وتصاعد التوترات في تايوان).
وفي ظل الصورة السياسية القاتمة، لم تتردد البنوك المركزية ولو لشهر في شراء الذهب، واستمرت في شراء المزيد من المعدن النفيس حتى مع استمرار ارتفاع الأسعار. يشير هذا إلى أنه بالرغم من تباطؤ الطلب على أساس ربع سنوي في عام 2024، إلا أنّه لا يزال مرتفعاً بشكل ملحوظ من الناحية التاريخية، مواصلاً الاتجاه الإيجابي لتكديس الذهب من قبل البنوك المركزية.
الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية على أساس ربع سنوي
الجهات الرئيسية الفاعلة في مشتريات البنك المركزي من الذهب في عام 2024
لعبت الأسواق الناشئة دوراً مركزياً في مشتريات الذهب خلال النصف الأول من عام 2024. وكان أكبر المشترين بولندا والهند وتركيا، حيث أضافت كل من بولندا والهند 19 طناً إلى احتياطياتها. ويمثل هذا استمراراً لجهود البلدين لتعزيز احتياطياتهما من الذهب، حيث أضافت الهند بشكل ملحوظ ذهباً في النصف الأول من عام 2024 أكثر مما أضافته في عام 2023 بأكمله.
- اتخذ البنك الوطني البولندي (NBP) خطوات كبيرة بإضافة 19 طناً من الذهب إلى احتياطياته، مسجلاً بذلك أول عملية شراء له منذ الربع الرابع من عام 2023. وتبلغ احتياطيات البلاد من الذهب الآن 377 طناً، وهو ما يمثل 13% من إجمالي احتياطياتها. ويتماشى هذا الاستحواذ مع الخطة الاستراتيجية التي وضعها المحافظ Adam Glapinski لرفع حصة الذهب من إجمالي الاحتياطيات إلى 20%، مما يعكس التزام بولندا بالذهب كأصل طويل الأجل.
- كما واصل بنك الاحتياطي الهندي (RBI) خطته في شراء الذهب خلال عام 2024، حيث بلغ إجمالي المشتريات منذ بداية العام حتى الآن 37 طناً بحلول نهاية الربع الثاني، متجاوزاً صافي مشترياته السنوية لعامي 2022 و2023. وأكد محافظ بنك الاحتياطي الهندي Shaktikanta Das في أبريل أن البنك يعمل بشكل نشط على بناء احتياطياته من الذهب، التي تبلغ الآن 841 طناً، وهو ما يمثل 10% من إجمالي احتياطياته.
- وكان البنك المركزي التركي (CBRT) من المشترين الرئيسيين الآخرين، حيث أضاف 15 طناً إلى احتياطياته الرسمية في الربع الثاني. وبذلك يصل إجمالي مشتريات تركيا لهذا العام إلى 45 طناً، وهو تحول كبير عن البيع المكثف الذي شهدناه في النصف الأول من عام 2023، عندما أفرغت تركيا 102 طناً لتخفيف ضغوط السوق المحلية. وتبلغ احتياطيات تركيا الرسمية من الذهب الآن 585 طناً، وهو ما يشكّل 34% من إجمالي احتياطياتها.
ومن بين المشترين الأصغر حجماً ولكن البارزين في النصف الأول من عام 2024 أوزبكستان وقطر وروسيا والعراق.
التوقعات لبقية عام 2024
يبقى دور الذهب كأداة للتحوّط ضد التضخم ومخاطر العملة وعدم الاستقرار المالي والسياسي المحرك الرئيسي للطلب بالنسبة للبنوك المركزية. وفي استطلاع أجراه مجلس الذهب العالمي لاحتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية العالمية لعام 2024، أشار 81% من المشاركين إلى أنهم يتوقعون زيادة احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية العالمية خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة.
إضافةً إلى ذلك، فإن 29% من المؤسسات التي شملتها الدراسة تخطط لزيادة احتياطياتها من الذهب.
وكشف الاستطلاع أيضاً عن العوامل الرئيسية التي تدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ قرارات الاحتفاظ بالذهب، بما في ذلك قيمته على المدى الطويل كأداة للتحوط ضد التضخم، وأدائه القوي خلال أوقات الأزمات، وافتقاره إلى مخاطر التخلف عن السداد. بالنسبة للعديد من البنوك المركزية، لا يُنظر إلى الذهب كمخزن مستقر للقيمة فحسب، بل يُنظر إليه أيضاً كأداة حاسمة لتنويع المحفظة الاستثمارية.
يشير كلّ ما سبق إلى أن البنوك المركزية ستظل مشترياً كبيراً للذهب على مدار العام. وفي حين أنّه لا زال من غير المؤكد ما إذا كان إجمالي المشتريات سيتجاوز المستويات القياسية التي شهدناها في عامي 2022 و2023، إلّا أنّ الأساسيات القوية وراء شراء البنك المركزي تشير إلى أن الذهب سيحتفظ بمكانته باعتباره حجر الزاوية في احتياطيات البنك المركزي. وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن تستمر اقتصادات الأسواق الناشئة بدفع الطلب، مما يعزز احتياطياتها من الذهب كحاجز ضدّ الصدمات الخارجية وضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل.
بالنتيجة، عزز عام 2024 اتجاه زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، مما يمثل معلماً آخر في الدور المتطور للذهب في الأنظمة النقدية العالمية. مع استمرار أسعار الذهب بتجاوز أعلى مستوياتها التاريخية بشكل متكرر ونمو الطلب من جانب البنوك المركزية يوما بعد يوم، فإن قيمة الذهب الدائمة ستستمر في التألق.
تداول الذهب مع Headway دون عمولة على عمليات السحب. ابدأ الآن!
تابعونا على تيلجرام, انستغرام، وفيسبوك للحصول على تحديثات Headway مباشرة.